بقلم المهندس/ طارق بدراوى
يتوسط العاصمة الفرنسية باريس وفي قلب ميدان الكونكورد مسلة مصرية ضخمة أهدتها مصر إلي فرنسا كنوع من رد الجميل بسبب جهود علماء الآثار المصرية الفرنسيين مثل شامبليون وجاستون ماسبيرو وأوجست مارييت في اكتشاف الحضارة المصرية القديمة والتعرف على أسرارها والذين كانوا رواد علم المصريات الذى تخصص فيه بعد ذلك العديد من الباحثين والأثريين كان منهم الإنجليزيان ويليام بيترى وهوارد كارتر والفرنسي جان فيليب لوى كما برز من المصريين في هذا المجال رائد الأثريين المصريين سليم حسن ثم برز من بعده لبيب حبشي والدكتور زاهي حواس.
والمسلة عبارة عن عمود حجرى ضخم يكون عادة من الجرانيت مربع الشكل وقمنه هرمية الشكل وطوله قد يبلغ حوالي 30 مترا ووزنه قد يبلغ حوالي 300 طن وانتشرت المسلات في مصر القديمة علي أبواب معابد الشمس وكان الفراعنة حكام مصر القديمة إذا وصلت سنين حكمهم إلى 30 سنة يقومون بوضعها علي أبواب تلك المعابد احتفالا بوصول سنين حكم كل منهم تلك المدة الزمنية وكانوا يسجلون عليها نقوش لأحداث تاريخية وعمرانية وعاداتهم الإجتماعية وأخبار انتصارات الجيش المصرى .
ومسلة باريس تحديدا كان قد أهداها والي مصر محمد علي باشا إلي فرنسا مع مسلة أخرى ولكن لم يتم إلا نقل واحدة فقط منهما وهي القائمة متذ حوالي 180 عاما في ميدان الكونكورد بباريس ويبلغ ارتفاعها حوالي 23 مترا ووزنها حوالي 230 طن وتم نقلها إلى فرنسا في مدة بلغت حوالي 7 سنوات وعلي 4 مراحل وكانت الجهة المسؤولة عن النقل هي وزارة البحرية الفرنسية وكانت المرحلة الأولى عبارة عن بناء سفينة ضخمة لنقل المسلة من النيل إلى البحر المتوسط وتم البناء في ميناء طولون الفرنسي عام 1831م وغادرت السفينة الميناء وعلي متنها حوالي 100 رجل ووصلت الأقصر بعد عدة شهور ثم بدأت عملية فك المسلة من قاعدتها وتحميلها علي السفينة مع الحرص الشديد حتي لاتتلف نقوشها ولذلك تم حفر مجرى للسفينة في الرمال وتم رفع المسلة من مكانها وتعليقها بالخشب لحمايتها واستغرقت عملية تحميلها على السفينة عدة أسابيع وتم قطع مقدمة السفينة بالمناشير حتي تصلح لعملية نقل المسلة وتحركت السفينة نحو الإسكندرية في رحلة استغرقت 3 شهور حيث تم جرها بقاطرة بحرية بخارية عبر البحر المتوسط حتي ميناء طولون الفرنسي ومنه إلى ميناء شيربورج ثم عبر نهر السين ثم إلى جسر الكونكورد بعد رحلة طويلة استغرقت قرب الثلاث سنوات وتم إختيار ساحة الكونكورد بواسطة الملك لويس فيليب ملك فرنسا حينئذ لنصب المسلة به وهي الساحة التي كانت تسمي بالساحة الحمراء الملطخة بالدماء التي شهدت عمليات الإعدام البشعة وقت الثورة الفرنسية عام 1779م وذلك لتغيير صورة المكان وذكراه الأليمة وبالفعل تحول يوم 25 أكتوبر عام 1836م وهو اليوم الذى تم فيه نصب المسلة بميدان الكونكورد إلي مهرجان اسطورى ضخم ووقف حوالي 200 ألف من الفرنسيين يتابعون الحدث الذى نفذه حوالي 350 فردا مابين مهندس وفني وعامل وهم في شدة الانبهار والدهشة وأصبح ميدان الكونكورد مزارا سياحيا مهما في باريس يفد إليه زوارها لمشاهدة المسلة المصرية الفرعونية الشاهدة على مجد وحضارة المصريين وتناسي الناس حكاية الساحة الحمراء الدامية وتحيا مصر وعاش شعب وجيش ورئيس مصر .